سورة التوبة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80)}
قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} يأتي بيانه عند قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً}.


{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81)}
قوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ} أي بقعودهم. قعد قعودا ومقعدا، أي جلس. وأقعده غيره، عن الجوهري. والمخلف المتروك، أي خلفهم الله وثبطهم، أو خلفهم رسول الله والمؤمنون لما علموا تثاقلهم عن الجهاد، قولان، وكان هذا في غزوة تبوك. {خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرا. والخلاف المخالفة. ومن قرأ {خلف رسول الله} أراد التأخر عن الجهاد. {وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} أي قال بعضهم لبعض ذلك. {قُلْ نارُ جَهَنَّمَ} أي قل لهم يا محمد نار جهنم. {أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ} ابتداء وخبر. {حرا} نصب على البيان، أي من ترك أمر الله تعرض لتلك النار.


{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا} أمر، معناه معنى التهديد وليس أمرا بالضحك. والأصل أن تكون اللام مكسورة فحذفت الكسرة لثقلها. قال الحسن: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا} في الدنيا {وَلْيَبْكُوا كَثِيراً} في جهنم.
وقيل: هو أمر بمعنى الخبر. أي إنهم سيضحكون قليلا ويبكون كثيرا. {جَزاءً} مفعول من أجله، أي للجزاء.
الثانية: من الناس من كان لا يضحك اهتماما بنفسه وفساد حاله في اعتقاده من شدة الخوف، وإن كان عبدا صالحا. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى لوددت أني كنت شجرة تعضد» خرجه الترمذي. وكان الحسن البصري رضي الله عنه ممن قد غلب عليه الحزن فكان لا يضحك. وكان ابن سيرين يضحك ويحتج على الحسن ويقول: الله أضحك وأبكى. وكان الصحابة يضحكون، إلا أن الإكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه مذموم منهي عنه، وهو من فعل السفهاء والبطالة.
وفي الخبر: أن كثرته تميت القلب وأما البكاء من خوف الله وعذابه وشدة عقابه فمحمود، قال عليه السلام: «ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون فلو أن سفنا أجريت فيها لجرت» خرجه ابن المبارك من حديث أنس وابن ماجه أيضا.

20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27